مستقبل الإسلاميين بعد "الطوفان"- فرص التموضع وتحديات الواقع الهش

المؤلف: هشام جعفر11.10.2025
مستقبل الإسلاميين بعد "الطوفان"- فرص التموضع وتحديات الواقع الهش

في مقال سابق، وقبل ثلاثة أسابيع من أحداث "الطوفان"، قدّمتُ طرحًا موجزًا حول "فشل الإسلاميين في ربوع المنطقة العربية وزوال الإسلام السياسي". لم يكن هذا المقال فريدًا من نوعه في تحليلاتي، ولن يكون الأخير بكل تأكيد. فقد سبقته تحليلات معمقة تناولت معضلة الإسلاميين خلال ما يُعرف بعقد الربيع العربي، ولا شك أن تحليلات أخرى ستتبعها.

في هذا السياق، لن أكرر هنا الحجج والبراهين التي استندت إليها في تقييمي لمستقبل الإسلاميين في المنطقة. جوهر هذه النظرة يكمن في تبدل السياقات الفكرية والسياسية والمجتمعية التي أسهمت في انتشارهم في الماضي، والتي لم تعد قائمة بنفس الصورة الآن. إننا نشهد تحولات جذرية منذ أواخر القرن العشرين في البنى الفكرية، والنماذج المعرفية، وأنماط التدين، وهياكل الاقتصاد، وطبيعة الدولة ووظائفها المتغيرة... وغيرها من العناصر الحاسمة.

هذه التحولات العميقة لم تواكبها استجابات متطورة من قِبل الإسلاميين، تسمح لهم بتجديد أنفسهم. هذا لا يعني بالطبع اختفاءً تامًا لتنظيماتهم أو خطاباتهم من المشهد العام، فالحديث هنا يدور حول تضاؤل القبول المجتمعي الواسع لهم، وتراجع المساندة السياسية، وصعوبة استقطاب أفراد جدد إلى صفوفهم.

قد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال مشروع: لماذا إذاً يُثار هذا التساؤل مرة أخرى في ظل "طوفان الأقصى" - تلك العملية الاستثنائية التي أطلقتها حماس، والتي تمثل تجسيدًا حيًا لجماعة الإخوان المسلمين، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023؟ بعبارة أوضح، ما الجديد الذي تضيفه هذه العملية إلى مستقبل الإسلاميين في المنطقة؟

أرى أن تصاعد وتيرة العنف وتوسع رقعة عدم الاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلى العجز عن نصرة الفلسطينيين والغضب المتفاقم جراء تخلي الأنظمة العربية عنهم، وتركهم يواجهون مصيرهم بمفردهم على الرغم من قدرتها على التدخل أو على الأقل تخفيف وطأة الأزمة، كل هذه العوامل ستعزز العنف في المنطقة.

أربع ملاحظات تمهيدية

وقبل الخوض في تفاصيل الإجابة على هذا السؤال، أود أن أسترعي الانتباه إلى أربع ملاحظات أساسية:

أولًا: سعت حماس - كرد فعل لتصاعد الثورة المضادة في مواجهة الربيع العربي - إلى النأي بنفسها تدريجيًا عن مرجعية الإخوان المسلمين، كما يتضح في ميثاقها المعدل عام 2017، والتموضع كحركة مقاومة تقود النضال الفلسطيني. وقد تجسد هذا النهج في الوثيقة التي قدمت فيها رؤيتها لعملية "الطوفان"، وشرحت فيها الأسباب الكامنة وراءها، وأكدت على تعريف نفسها كحركة مقاومة فلسطينية ذات مرجعية إسلامية.

ثانيًا: يتطلب تقييم مدى نجاح أو فشل هذا النهج مقالًا منفصلًا، ولكن نشير بإيجاز إلى أن خطاب حماس في عملية "الطوفان" كان مزيجًا من عناصر قديمة وأخرى جديدة. ففي الجانب القديم، لم تتمكن حماس من توسيع قاعدة المؤيدين عندما أطلقت على عمليتها "طوفان الأقصى" بدلاً من "طوفان القدس" على سبيل المثال. كما لا يزال هناك خلط - رغم محاولة تجاوزه في الوثيقة المذكورة - بين اليهودية والصهيونية، ولا يزال التمييز بين المدني والمقاتل في الكيان الصهيوني يثير إشكالات.

أما في الجانب الجديد، فهناك مسعى للاستجابة للتأييد العالمي الذي حظيت به القضية الفلسطينية في بعض دول الجنوب والرأي العام العالمي. ويتجلى ذلك في الحديث عن البعد التاريخي الذي يضع السابع من أكتوبر/تشرين الأول في سياقه الممتد، والتطرق إلى القانون الدولي الإنساني والإبادة الجماعية... إلخ.

الملاحظة الثالثة: وكما أشرت في مقالي السابق على الجزيرة، أصبحت القضية الفلسطينية مرآة تعكس أزمات العالم المعاصر، وتربط فيها المجموعات المختلفة معاناتها الذاتية بآلام الفلسطينيين. ومع "الطوفان"، ترسخ الاتجاه التاريخي المتصاعد بأن قضية الفلسطينيين لم تعد القضية الأولى للعرب أو المسلمين، رغم ما أظهرته استطلاعات الرأي من تعاطفهم ومساندتهم لها. هذه المساندة تبدو ضعيفة وغير فعالة، في حين يظهر تحول كبير لدى قطاعات من الرأي العام العالمي - خاصة في الغرب - تجاه القضية، بالإضافة إلى مساندة العديد من دول الجنوب، مما يسمح بالقول إن القضية الفلسطينية أصبحت قضية الفلسطينيين أولاً، وقضية كل من يعاني في العالم الآن.

هذا التحول ستكون له انعكاسات استراتيجية كبيرة في المستقبل القريب، خاصة بعد أن تحولت الحرب على غزة إلى مرآة تعكس مجمل الأزمات التي تعاني منها قطاعات واسعة من البشر في عالمنا، مما يجعل القوى والحركات التي تساند الفلسطينيين ضد حرب الإبادة ترى فيها - كل من منظوره الخاص - معاناتها الذاتية.

فهل تستوعب المقاومة الفلسطينية - وفي القلب منها حماس - هذا التوجه وتسعى لإعادة تموضعها في هذا الأفق الواسع، أم تظل أسيرة تصورات بالية من أفكار الإسلام السياسي التي ثبت فشلها؟

رابعًا: ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان عملاً جسيمًا، لكنه تزامن مع وضع عربي هش بشكل عام، وإسلامي على وجه الخصوص. تجلى ذلك في ضعف المظاهرات المؤيدة لهم، والتي كان يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في مسار وقف الحرب. بعبارة أخرى، الفلسطينيون يدفعون الآن ثمن ما جرى للإسلاميين على مدار العقد الماضي.

محددات ستة لمستقبل الإسلاميين

أولًا: إعادة تموضع الإسلاميين مرة أخرى بشقَّيهم: العنيف والمعتدل.

أرى أن تصاعد وتيرة العنف وتوسع رقعة عدم الاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلى العجز عن نصرة الفلسطينيين والغضب المتفاقم جراء تخلي الأنظمة العربية عنهم، وتركهم يواجهون مصيرهم بمفردهم على الرغم من قدرتها على التدخل أو على الأقل تخفيف وطأة الأزمة، كل هذه العوامل ستعزز العنف في المنطقة.

أما الإسلاميون المعتدلون، فإن لم يعيدوا ترتيب أوراقهم في الساحة من خلال تبني قضايا وهموم مشتركة، فلا مستقبل لهم وستتعمق أزمتهم.

لقد صدحت حناجر المتظاهرين في القاهرة يوم الجمعة 20 أكتوبر/تشرين الأول لفلسطين، وطالبت بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة؛ شعارات الانتفاضات العربية. هذه الهتافات انطلقت من جيل شاب لم يتجاوز العاشرة من عمره عندما اندلعت ثورة يناير/كانون الثاني 2011، لكنها تعكس أشواقًا للحرية والعدالة لم تنطفئ. وعلى المنوال نفسه، سارت المظاهرات في المغرب والبحرين والأردن، لتربط بين الأولويات الداخلية والقضية الفلسطينية.

الجماهير العربية تعي مسؤولية الحكومات عما آلت إليه أوضاعهم المعيشية من تدهور، وتدرك أيضًا مسؤولية هذه الحكومات عما لحق بالفلسطينيين في غزة.

لقد كتبت سابقًا عن تراجع الإسلاميين سياسيًا بسبب عجزهم عن تقديم حلول لمشكلات الواقع وأولويات الناس المعيشية. كانت الجماهير تأمل في الموجة الأولى من الانتفاضات العربية أن يعالجوا هذه المشكلات بانتخابهم، إلا أن هذه الجماهير نفسها خرجت ضدهم وهم في السلطة، كما حدث في العراق ولبنان والسودان في الموجة الثانية، وفي مصر في الموجة الأولى. هذه الجماهير ذاتها التي انتخبتهم بعد الربيع العربي هي التي أسقطتهم بعد ذلك، كما جرى في تونس والمغرب.

ثانيًا: مرحلة جديدة من الحرب على الإرهاب

في الأيام الأولى لـ"الطوفان"، أعلن الرئيس الفرنسي خلال زيارته لدعم إسرائيل عن نيته لتشكيل تحالف دولي لمواجهة حماس، على غرار التحالف الدولي الذي تشكل ضد داعش.

يزعم كاتب هذه السطور أن هذا التحالف قد تشكل بالفعل على قاعدة التنسيقات الأمنية التي تضم دولًا في المنطقة وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية، كما صرح ماكرون في ختام زيارته للصحافة الفرنسية.

إن أي دور لحماس لن يكون مقبولًا بالنسبة لواشنطن وإسرائيل ومعظم العواصم الإقليمية المؤيدة للولايات المتحدة، ففي ثلاثة صراعات كبرى قبل عام 2021، نجح القتال مع إسرائيل في إحياء شعبية المقاومة الفلسطينية. وتستمر موجات الدعم الجماهيري هذه طالما استمرت المقاومة. وتخشى الأنظمة العربية من شعبية أية قوى، والنموذج الذي يشيع من خلال هذه المقاومة.

لن ينضم إلى هذا التحالف الخاسرون من إعادة ترسيم الممرات الاستراتيجية وخطوط الطاقة، مثل روسيا والصين وإيران وتركيا، ولكن بالتأكيد فإن خطوط الصدع قد تضم إيران ووكلاءها في المنطقة.

ستكون بعض الحكومات العربية التي قادت الثورة المضادة مسرورة لرؤية إسرائيل تقضي على حماس، وهي المنظمة التي انبثقت من جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها هذه الحكومات عدوة لها، وهي لن تقبل بعودتها مرة أخرى بعد ما بذلته من جهد ومال على مدار عقد، وهي إن قبلت حماس، فستقبلها مضطرة من خلال دمج جناحها السياسي دون العسكري.

ثالثًا: لا مكان للأيديولوجيات في المنطقة

إذا كانت موجات الحرب على الإرهاب التي امتدت في العالم الإسلامي أو ما أطلق عليه "الشرق الأوسط الكبير" تهدف - أو هكذا ادعت - إلى القضاء على طالبان وصدام حسين ولاحقًا حكم داعش في سوريا والعراق - أي سلطات قائمة - بغية إقرار نظم ديمقراطية وبناء دول، فإن هذه الموجة من الحرب سيكون هدفها إزاحة كل من يعوق المحور الاقتصادي الذي نشأ لمواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني، الذي يضم الهند والخليج وإسرائيل وأوروبا بقيادة الولايات المتحدة.

الاقتصاد يقود، والممرات الإستراتيجية ترسم التحالفات، ومسارات الطاقة تحدد المشمول بها والمستبعد عنها. وفي هذا التصور، لا مكان للتيارات والحركات الأيديولوجية على ضفتي الصراع.

قد تلهم "طوفان الأقصى" طيفًا واسعًا من التيارات القومية والإسلامية واليسارية، وقد يستعيد شباب الإسلاميين - خاصة جماعة الإخوان - ثقتهم بالمشروع الإسلامي، وسيعود بعضهم على الأقل إلى الصفوف ويتخلون عن الاحتراب فيما بينهم، ويستكشفون لأنفسهم دورًا جديدًا في هذه المرحلة.. لكن ذلك يظل رهنًا بالقدرة على إحداث تجديد في التصورات والرؤى الفكرية والسياسية، وتقديم قيادات جديدة.

ربما أعطت عملية "طوفان الأقصى" دفعة معنوية لأتباع الحركات الإسلامية، لكن عمليًا يظل تأثيرها محدودًا، لأن المشكلات البنيوية ما زالت قائمة، فيما يتعلق بطغيان الموروث العاطفي، وطبيعة التفكير تجاه التغيير، والخطاب، وجوهر التفكير السياسي.

رابعًا: تصاعد تديين الصراع وعودة المواجهة من جديد على أسس حضارية وثقافية بين الغرب والعالم الإسلامي

هتف طلاب الجامعات المصرية بالشعار المعروف للإخوان: "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود"، وهم الذين نشأوا في مرحلة اختفى فيها الإخوان من المجال العام لعشر سنوات أو يزيد، وجرموا فيها. هذه الشعارات تعكس خواء وفراغًا لم تستطع دعاوى الجمهورية الجديدة أن تملأه، ولكن في الوقت نفسه، فإن الخطاب الصهيوني المسيحي الذي برز في الأزمة الحالية أعاد القبول للخطاب الإسلامي حول قضية فلسطين.

في هذه الأزمة، برزت كل الخطابات الدينية: الإسلامية والمسيحيين اليمينيين "البروتستانت الإنجيليين" واليهودية، وأضيف إليها القومية الهندوسية التي رأى فيها بعض المراقبين أنها أحد أسباب الموقف الهندي الداعم لإسرائيل بعد أن كانت تاريخيًا مساندة للفلسطينيين. أصبحت الهند اليوم شريكًا استراتيجيًا وثيقًا للولايات المتحدة، وحليفًا قويًا لإسرائيل.

ذكرتنا التغطية الإعلامية الغربية، وتصريحات بعض مسؤولي الحكومات فيها بالجذر اليهودي المسيحي للحضارة الغربية، وبأجواء 11 سبتمبر/أيلول التي تصاعدت فيها الخطابات الثقافية، والحديث عن صراع الحضارات والفسطاطين، لكنه هذه المرة متلبس بصعود الهويات الدينية الممتزج بيمين متطرف يحكم في بلدان عديدة، كما يظهر - على سبيل المثال - في إيطاليا والهند. ومن المتوقع أن يزيد الاستثمار في الخطابات اليمينية التي تربط قضايا الهجرة بالإسلاموفوبيا والأزمة الاقتصادية.

الجديد عن حقبة سبتمبر/أيلول (2001-2021) هو أنه عابر للأديان والثقافات والقارات. إن المتأمل لخريطة مؤيدي إسرائيل يجد أنها تضم الهند وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا، وفي القلب منها حكومة إسرائيل التي تقودها الصهيونية الدينية المتطرفة.

ربما تتوازن الصورة بعد دعم العديد من دول الجنوب للفلسطينيين، وتزايد واستمرار المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، والتي ضمت اليسار بجوار الشباب اليهودي غير المتصهين والسكان الأصليين والسود … إلخ، ولكن التشبيك مع مكونات هذه المظاهرات يحتاج جهدًا فكريًا وتنظيميًا لم يقم به الإسلاميون حتى الآن.

وهنا ملاحظة يحسن الإشارة إليها، وهي: أن المطلوب فيما بعد الحرب هو ضرورة التخلص من المتطرفين على جانبي الصراع. بالطبع أنا أعتقد أن حماس حركة مقاومة، لكن يجب أن نلحظ أن المطلوب هو التخلص منها باعتبارها حركة إرهابية تشبه داعش، وفي الوقت نفسه من المتوقع التخلص من اليمين اليهودي المتصهين، كما يظهر في الحديث عما بعد نتنياهو، فبخلاف ذلك، لا يمكن للاقتصاد أن يعمل مرة أخرى، ولا للممرات الاستراتيجية ومسارات الطاقة أن تفعل.

خامسًا: تعاطي الشباب مع قضية فلسطين

لقد كتبت سابقًا عن تغير أنماط التدين لدى الشباب والشابات وعلاقته بأطروحات الإسلاميين، ومما ذكرته أن هناك تغيرًا في أنماط التدين المعاصر، خاصة لدى الشباب والشابات.

تدين الجامعيين من شباب وشابات ما بعد الانتفاضات ذو طبيعة فردية، نواته الصلبة لا تتكون بالتنظيمات وإنما بشبكية التفاعلات وكثرة المبادرات، وتتشكل ملامحه على مواقع التواصل الاجتماعي وبالممارسة العملية لا الخطاب الأيديولوجي، ويتميز بحضور نسائي طاغٍ، وموقفه من السياسة لم يتحدد بعد، وإنما ترسمه السياقات وتطورها.

ما لم تدرك قيادات الإسلاميين هذه السياقات وغيرها الكثير، فأخشى ما أخشاه أن ينتقلوا من فشل السياسة إلى إخفاق الدعوة أيضًا، وهذا ما نلمسه في تراجع أنماط التدين التي كان يشيعها الإسلاميون في المجتمع، خاصة لدى الشباب والشابات، وهو ما يدعو إلى إعادة التفكير في بعض أسس أطروحاتهم الخاصة "بأسلمة المجتمع" وفق ما يمثلونه من نمط تدين، وموقع التنظيم من هذه الأسلمة.

يدعم قطاع من أجيال جديدة ولدت في نهايات القرن الماضي ومطلعه القضية الفلسطينية، وهو يأتي من مداخل جديدة مختلفة عما يطرحه الإسلاميون. هي تصدر أساسًا من مورد إنساني وحقوقي يتعلق بالقيم الإنسانية المشتركة التي يجب أن تسود، بخلاف حديث الإسلاميين عن فكرة الأمة الإسلامية الواحدة، ووجوب نصرة المسلمين، وحماية المقدسات.

المدخل الإنساني/القيمي يعاني من مشكلات كثيرة: فهو يفتقد الذاكرة التاريخية، ويسهل تبديده وعدم استمراره، ويظل مرتكزه فرديًا لا جماعيًا، ويتم تغذيته بشكل دائم من خلال الصورة ومنتجات السوشيال ميديا.

لعبت السوشيال ميديا دورًا بارزًا في حركات المساندة والدعم، كما طرحت أدوارًا جديدة لهؤلاء الشباب والشابات من خلال إنتاج محتوى يعرف بالقضية ويرصد الانتهاكات ويقدم سرديات بديلة للسائدة في الإعلام الغربي، بالإضافة إلى أنسنة القضايا عن طريق تحويل الضحايا من أرقام إلى شخوص لهم كينونة إنسانية.

ربما عزز "طوفان الأقصى" الإيمان عند مجموعات شبابية إسلامية بأن الحل في امتلاك القوة وتطوير الذات، وتبقى باقي المشكلات الهيكلية التي تواجه تنظيماتهم الأخرى كما هي، وربما يقوم خطاب راديكالي باختطاف طاقة الغضب التي أصابت قطاعات من الشباب العربي ليصرفها تجاه واقعه الذي تعفن.

سادسًا: تحولات هيكل القوة في النظام الدولي

يدرك العديد من القوى الكبرى أن الأحداث الأخيرة بمثابة تحذير بشأن العالم الجديد متعدد الأقطاب، وموقع أو خطورة المشروع الإيراني والإسلامي في الشرق الأوسط وخارجه.

تاريخيًا، كان الإسلاميون المعتدلون في خندق الغرب، وقاموا بأدوار لصالحه في مواجهة المد الشيوعي سابقًا أو التطرف العنيف لاحقًا. وفي هذه الأزمة، يبدو أنهم يجب أن يكونوا في مواجهة العديد من الحكومات الغربية التي استنفرت كامل قوتها الرمزية والمادية لمواجهة حماس وما تمثله.

تدفعُ مجموعة من المصالح المتشابكة كلا من روسيا والصين وإيران، إلى جانب دول أخرى مثل تركيا، إلى اتخاذ مواقف تختلف إلى حد ما عن مواقف الكتلة الغربية إزاء الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة. ما يميز هذه المجموعة أنها عُصبَة من "الخاسرين" - على حد تعبير أحد المحللين - من المشاريع الاقتصادية والسياسية التي تُلوِّح بدمج الهند والخليج وإسرائيل وأوروبا ضمن مجموعة اقتصادية-سياسية بزعامة الولايات المتحدة.

تعدُّ إيران حلقة الوصل بين التأثيرين الروسي والصيني والحرب الجارية في غزة. ويخدم اشتعال الصراع بين حماس وإسرائيل المصالح الإيرانية، عبر كسر مسار التطبيع العربي-الإسرائيلي، أو تأجيله لفترة طويلة، إلى جانب تأجيل تنفيذ مشروع الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا، مرورًا بمنطقة الشرق الأوسط، وأخيرًا وليس آخرًا؛ تأخير الصراع العسكري معها.

هل يقف الإسلاميون في المنطقة على الضفة الأخرى من النهر؟ صحيح أن المساندة الروسية والصينية لحماس تظل رمزية، ولكنها قد تتحول إلى أكثر من ذلك، وهو ما يستحقُّ المتابعة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة